-السؤال: فضيلة الشيخ نقل عنكم أنكم تفرقون بين الذي يطلب من الميت قُرْبَ قبره الدعاء له ، وبين الذي يطلب منه الشفاعة ؟ فما الفرق الجوهري المؤثر بينهما , علما أن طلب الشفاعة نوع من طلب الدعاء ؟
الجواب:
الحمد لله ، من أنواع الشرك الأكبر شرك الدعاء ، وهو: دعاء الأموات ، والغائبين في قضاء الحوائج ، والاستغاثة بهم في الشدائد ، وطلب النصر والرزق منهم ، سواء طلب ذلك من الميت من قرب ، أو بعد ؛ إذا كان الداعي ، والطالب يعتقد أنه يفعل ذلك بقدرته ، وحينئذ يكون قد جمع بين الشرك في الربوبية ، والشرك في العبادة .
وأما إذا كان الداعي للميت يطلب منه أن يدعو الله له ، وهو قريب من قبره لاعتقاده أنه يسمع ؛ فذلك بدعة ، ووسيلة إلى الشرك كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في مواضع من كلامه ، ومعلوم أن الدعاء للغير شفاعة له فطالب الدعاء هو طالب للشفاعة ، فلهذا يقال له : استشفاع ، وتوسل كما قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا ، فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا ". ، وما ذاك إلا طلب الدعاء من النبي صلى اله عليه وسلم ، ثم من العباس ، وذلك في حياتهما ، ولم يذهب عمر ولا غيره إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم لطلب الدعاء منه مما يدل على أنه غير مشروع ، ولا هو سبب لحصول مطلوب ، وإذا كان هذا في حق النبي صلى الله عليه فغيره من باب أولى .
وأما إذا اقترن بطلب الدعاء من الميت ، والاستشفاع به تقرب إليه بنوع من أنواع العبادة ، فذلك عين ما كان يفعله المشركون يعبدون ما يعبدون زاعمين أنهم يشفعون لهم ، وأنهم يقربونهم إلى الله كما قال تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، وقال تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} ؛ فكانوا كفارا ، ومشركين حيث جعلوا بينهم ، وبين الله وسائط في العبادة .
وأما من يطلب من الغائب عنه ، أو من الميت ، وهو بعيد من قبره ، فيدعوه في كل مكان ، ويستغيث به لذلك فهو مشرك ، لأنه قد شبهه بالله الذي يسمع دعاء الداعين ، ويغيث الملهوفين .
وبهذا يتبين أنه لا فرق في الحقيقة بين طلب الدعاء ، وطلب الشفاعة من حي أو ميت ، ولا أذكر أني فرقت بينهما ، فلعل الذي نقل ذلك عني قد وهم ، أو أني تطرقت لمعنى آخر ، ولم يفهم مرادي ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المجيب فضيلة الشيخ : عبدالرحمن البراك - حفظه الله -
ملتقى أهل الحديث